أسس علم الاجتماع - مقالات

أسس علم الاجتماع

 ماذا نعني بأسس علم الاجتماع؟ وما هي الدلالات التي تحملها هذه العبارة؟ ماذا نعني بعلم الاجتماع؟ هل يحمل هذا المفهوم معنى واحد أم أن سعة هذا المفهوم من العمق والكبر ما يجعل منه يستعصي على كل حد يحاول الباحث في السوسيولوجيا أن يقيمه حول هذا العلم وفيه؟ هل يمكن تعريف السوسيولوجيا كما يمكن أن نفعل مع كل علم حق كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والفيسيولوجيا؟ هل يجب الاعتماد على هذه العلوم في تعريف السوسيولوجيا بل في تأسيس السوسيولوجيا وتشكيلها كذلك؟

إن ما تطرحه مسألة تعريف علم الاجتماع من إشكاليات وأسئلة أمام الباحث في علم الاجتماع؟ يكاد يكون شبيها بما تطرحه مسألة تعريف نفس المفهوم أمام الفيلسوف؟ والعالم بشكل عام؟ ليس فقط في السوسيولوجيا وإنما في كل العلوم الحقة والإنسانية على حد سواء. فماذا يعني مفهوم الأسس؟ ما الفرق بينه وبين مفهوم المبادئ؟ وأين تبدأ الأسس وأين تنتهي ولماذا الحديث عن الأسس بصيغة الجمع؟ هل يمكن الحديث عندما يتعلق الأمر بعلم الاجتماع عن مفهوم واحد للأسس أم عن مفاهيم عديد لنفس المحمول تبعاًَ لقناعة أو لنستعمل مفهوم ماكس فيبر بشكل أدق رؤية كل عالم للسوسيولوجيا نفسها؟

لا شك أن هذه الأسئلة ومثلها كثير جداً قد تبدو أمام القارئ العادي بل وحتى أمام بعض المتخصصين، غير ذي جدوى، بل إنه تقدم دعما وسندا لؤلئك الذين يشككون في علمية السوسيولوجيا، ويعتبرونها مجرد فلسفة اجتماعية أو فلسفة للتاريخ الغرض منها تقديم صورة حول المجتمع، أو الدفاع عن أدلوجة معينة، غالباًَ ما تكون هي الأدلوجة السائدة ومنحها ما يكفي من مبرارات الاستقرار والاستمرار والهيمنة؟

سنترك هذا النقاش الذي لا أعتقد أنه سيكون في هذه اللحظة لازما أو ضروريا لكتابة هذا المقال ولنعد إلى أول الأسئلة التي يمكن أن تظهر في ذهن كل طالب لحظة الحديث عن أسس علم الاجتماع، فماذا تعني كلمة أسس؟

قبل الخوض في ما تعنيه كلمة أسس من معنى لا بد من الإشارة إلى أن هذا المفهوم يتشاكل ويعود إلى نفس الأصل الذي تنبع منه كثير من المفاهيم الكبرى فكلمة Fondement الفرنسية المشتقة من المصدر Fond العمق أو الجزء القاعدي من شيء ماً، تلتقي مع مفهوم الأساسي fondamental ومع مفهوم الأصولية Fondamentalisme ومع مفهوم المؤسس fondateur والمؤسسة Fondation والحدادة fonderie ومفهوم الرأسمال والأرض Fonds كما يشير إلى مفهوم الذوبان Fondue.

الملاحظة التي يمكن أن نخلص إليها عند النظر إلى هذه المعاني بأكملها هي أن معظمها يحيل على دلالتين أساسيتين متناقضتين ظاهرياً فأما الأولى وهي أن مفهوم الأسس من حيث دلالته اللغوية يشير إلى القاعدة إلى الأرض إلى الجزء الصلب والمتين من كل شيء سواء تعلق الأمر بمعرفة أو عمل أو مكان أو تجارة....الخ، أما الدلالة الثانية، فترتبط بشكل خاص بوجود الأسس باعتبارها الجزء الذائب الذي رغم صلابته يوجد في جميع العناصر، فهو بقدر صلابته ومتانته بقدر ليونته وانسيابيته.

إننا نتحدث إذن عندما يتعلق الأمر بالأسس عن الجزء القاعدي في العلم عن المشترك الذي يجمع ويوحد بين كل المقاربات وبين كل التجارب السوسولوجية، حتى وإن اختلفت من حيث اتجاهاتها ونتائجها وفهمها وتفسيرها للظواهر الاجتماعية التي تشتغل عليها، وبالتالي فإن الأسس بهذا المعني هي الجذع والقاعدة المشتركة بين كل التجارب العلمية التي تسمى أو تسمي نفسها سوسيولوجيا.

من الناحية الفلسفية، يمكن أن أثير الانتباه إلى أن المعجم التقني والنقدي للفلسفة، هو أن مفهوم الأسس يتوسط مفهومين مركزيين في الفلسفة وفي العلم بل وفي كل مجالات الوجود الإنساني، وهما مفهوم الوظيفةFonction والقوة Force. يقدم لالاند ولا نعتقد أن وجود مفهوم الأسس بين هذين المفهومين غريب أو اعتباطي، إذ يمكن القول أن الأسس تمثل قوة كل علم، فهي تشكل من جهة البنيات التي ينهض عليها مشروع العلم، وتمثل من ناحية ثانية أشكال القوة التي يدافع بها العلم عن نفسه أمام العلوم الأخرى، كما أن لهذه الأسس وظيفة أو مجموعة وظائف تنهض بها وتبرر بها وجودها واستمرارها، فالأسس تقدم مبرر وجود العلم ورهاناته الكبرى والأساسية.

تعني كملة أسس:

  1. هي ما يعطي لشيء ما سبب وعلة وجوده: ما يبرر رأيا ما، ما يحدد درجة قبول الفكر لتأكيد ما أو مجموعة إثباتات سواء تأملية أو عملية

  2. إنها الاحتمال الأكثر عمومية والأكثر بساطة" أي النسق المشكل من الافتراضات العامة القليلة.

إذا كان تعريف مفهوم الأسس لا يثير كثيراً من التساؤلات أوالنقاش عندما يتعلق الأمر بمسألة تعريفه وتحديده، وليس بمسألة تعيينه وتشكليه، فإن السوسيولوجيا تعتبر المفهوم الأكثر صعوبة عند التحديد، بل يمكن القول انه باستثناء مسألة معناه اللغوي فإن الباحث في معنى هذه المفهوم يجد نفسه أمام اتجاهات وتيارات قد تفقده الثقة أحياناً في علمية هذا العلم نفسه.

تعني كلمة سوسيولوجيا SOCIOLOGIE من الناحية اللغوية، علم المجتمع، فسوسيولوجي تتكون من لفظتين Socio التي تحيل إلى Sociétas والتي تعني المجتمع، وlogie التي تحيل على الأصل اليوناني logos والتي تعني العلم والدراسة والعقل. غير أن الصعوبة تظهر مرة أخرى من المعنى الذي يمكن أن نلحقه بكل من كلمتي علم ومجتمع.

فالعلم يعني من بين ما يعنيه: مجموع المعارف التي تتوفر على درجة كافية من الوحدة والعمومية وقابلة لأن تقود الناس إلى خلاصات منسجمة لا تعبر عن قناعات راسخة أو أهواء أو أهداف فردية. وإنما تعبر عن علاقات موضوعية نكتشفها بشكل تدريجي، ويتم إثباتها من خلال مناهج تحقق محددة. بشكل عام يمكن القول أن العلم هو الدراسة المنهجية الموضوعية لموضوع ما، فالفيزياء هي علم الطبيعة والبيولوجيا هي علم الحياة والاركيولوجيا هي علم الآثار والباتولوجيا هي علم الأمراض وهكذا دواليك، إذ لا علم إلا بموضوع واحد ولا يمكن أن يكون هناك علم بأكثر من موضوع إذ لا يمكن أن نتحدث مثلا عن علم يهتم بدراسة الفلك والآثار أو بدراسة الآثار والحساب.....الخ. يمكن لعلم أن يكون في خدمة علم آخر أو أن تستفيد من معارفه وخبراته علوم أخرى لكن لا يمكن أبدا أن يكون هناك علم إلا بموضوع واحد، ولأن القول الإنساني عبر التاريخ ليس إلا إجابة عن الأسئلة الوجودية المعروفة سواء نظير تلك التي صاغها كانط قبله بقرون كثيرة سقراط وقبله كونفوشيوس ووووو. فإن المعرفة العلمية تجد نفسها دائما في تقاطع مع ما يعرفه الناس عن موضوعاتها، إذ يتصور الناس المرض ويقدمون أسبابه كما يفعل الطبيب ويستحضر الناس التاريخ كما يمهتن ذلك المؤرخ و يفسرون الظواهر الاجتماعية والنفسية والطبيعية كما يفعل ذلك علماء الاجتماع وعلماء النفس والطبيعة.

إن ما يميز المعرفة العلمية عن المعرفة العامية أو الحس المشترك هو ما سبق أن قلناه، فالعلم لا يتميز بنتائجه غالباً وإنما بمنهجه وطريقة استدلاله وبناءه لموضوعاته، فالمعرفة العلمية وهذا ما نريد التأكيد عليه عندما يتعلق الأمر بعلم الاجتماع أننا أمام علم تفسيراته العلمية وتحليلاته ونتائجه معروفة سلفاً من طرف الناس مثلما هي معروفة نتائج غيره من العلوم كالفيزياء مثلا، فظاهرة سقوط الأجسام تقدم نفسها كمسلمة بسيطة داخل الأوعية الاجتماعية، لكن الوعي العلمي بها لم يتم إلا خلال القرن الثامن عشر، نفس الشيء بالنسبة لكثير من القضايا العلمية الدقيقة الأخرى. الفرق إذن بين المعرفة العلمية والمعرفة الاجتماعية هي أن المعرفة العلمية تبنى موضوعاتها بكل ما تعنيه كلمة البناء من معاني علمية، أما الحس المشترك فإن موضوعاته معطاة معدة سلفا غير مفكر فيها.

تتضمن كلمة سوسيولوجيا مفهوما آخر على قدر كبير من التعقيد هو المجتمع، ماذا تعني كلمة المجتمع؟ ما الفرق بين المجتمع والجماعة؟ متى يكون المجتمع ممكناً؟ ومتى أصبح المجتمع ممكنا؟ هل يجب على عالم الاجتماع أن يطرح مثل هذه الأسئلة الفلسفية؟ هل يعني علم الاجتماع البحث في أصل ونشأة المجتمع أم أن ما يهمه بالدرجة الأولى مثله مثل باقي علماء الطبيعة هو بينة ونسق موضوع علمه نفسه؟

عندمال يرتبط الأمر بالأسس يمكن القول أن التحليل السوسوسيولوجي يتأسس على خمس أسس كبرى تلتقي عندها كل الاتجاهات والتيارات والنظريات والمدارس السوسيولوجية رغم اختلاف فهمها وتفسيرها للواقع، ورغم اختلافها في ترتيب وتقييم حجم هذه الأسس في بناء النظرية السوسيولوجية بل وفي بناء الفعل السوسيولوجي بشكل عام، سواء كان هذا الفعل قراءة ومحاولة لفهم الواقع، أو كان هذا الفعل تدخلا في هذا الواقع نفسه.

عندما نقول أن السوسيولوجيا تلتقي وتتفق على هذه الأسس فإننا نقصد التفكير السوسيولوجي منذ مراحله الأولى سواء مع كونت أو دوركايم، مع فيبر أو ماركس، مع جون ستيوارت مل أو زيمل أو تونيس أو سبنسر موس أو باريتو...الخ، أو في مراحله المتأخرة والحالية، فسواء تعلق الأمر ببورديو أو بودون ببارسونز أو ميرتون بشوتز أو كاستلس...الخ. أما هذه الأسس فهي كالتالي:

  • البعد الجماعي

  • الواقعية

  • الشمولية/ الكونية

  • الإطار النظري

  • المعقولية


مواضيع سابقة
مقالات اجتماعية

شارك مع اصدقائك

تعليقاتكم
اشعارات
اهلا بك اخى الكريم فى مدونة مقالات .
ان كنت من المهتمين بكل جديد حول ما نقدمه من معلومات موثوقة يمكنك الاشترك فى مدونة مقالات حتى تكون اول المستفيدين من مقالاتنا.
=================================
وان كان لديك اى اسئله او اقتراحات يمكنك التواصل معنا عبر مواقع التواصل الاجتماعى اسفل الرساله وسوف نقوم بالرد فى اسرع وقت .
شكرا على المتابعه .

حسنا