الأسس ‏العلمية ‏للعلاج ‏النفسي - مقالات

الأسس ‏العلمية ‏للعلاج ‏النفسي


  العلاج النفسي يجب أن يستند على"مدرسة" أو نظرية في علم النفس وتفسير السلوك البشري.
وسنجد أن بعض العلاجات النفسية تبدو وكأنها أصيلة ونابعة من ذاتها .. ، إلا أن المنطق يحتم وجود "ايديولوجية" ونظرية خلفها أو بين ثناياها مهما ضؤلت . والحقيقة أن العلاجات النفسية الاولى كانت نابعة من مدارس علم النفس المعروفة، إلا أن ضغط التطورات الاجتماعية السريعة وقلة المعالجين النفسيين وازدياد الوعي والمشاكل النفسية للأزمات الحضارية، وموجة الحركات الاجتماعية في المجتمعات الغربية أدت إلى ظهور أساليب جديدة في العلاج النفسي وإلى ظهور مسميات جديدة لها بحيث نلمس تطورا سريعا وتغيرا ملحوظاً ما بين عامي 1960 و1980 مثلا _ وهي فترة قصيرة جداً.

       وما يهمنا في هذا الخصوص هو أن المرض النفسي لا يزال معضلة فكرية وعلمية وفلسفية قيد البحث والتنقيب والجدل ، وما يتفق عليه الجميع أن المرض النفسي يمتاز ب : «القلق الدائم أو الاضطراب الفكري » والشعور بعدم الرضى أو الاستقرار أو الأمان ... ، وبسلوك لا يرضي الذات أو لا يرضي الآخرين ، وأنه ينتج عن أزمات وصراعات تتعلق بنشأة الإنسان وتطوره وتربيته أثناء طفولته ... ، أو بمشاكل وعقبات وتجارب تواجهه في حياته الحاضرة لا يتمكن من معالجتها بكفاءة ، فتؤدي به إلى سلوك غير طبيعي بالنسبة لمجتمعه وثقافته المحلية . 
    ولا شك أن الطفولة التعيسة ، المضطربة ، المهددة ... ، والتربية الخاطئة في البيت والعادات السيئة الأولية ، والتوجيه الجنسي والعاطفي والفكري المضطرب أو القياسي أو الجاهل ... ، ثم التجارب العنيفة التي تبرز خلال ذلك .... ، لها الحصة الكبيرة في التمهيد للوقوع في مشاكل وأزمات وعواصف المستقبل النفسية .

    لكن كل مدرسة نفسية تركز اهتمامها على ناحية أو بضع نواح من تلك العوامل والمؤثرات وتهمل _ أو تغض النظر _ عن الأخرى . فلكل مدرسة نظرية في العقل والإدراك والاحساس والسلوك والحياة ودور الإنسان فيه ، وعلاجها النفسي مستمد من تلك النظرة التي لا نزال نعتبرها علميا «نظرية» وليست قانوناً ثابتاً.

ومن المفيد أن نذكر أن ليس جميع مدارس علم النفس المعاصرة لها أساليب علمية في العلاج النفسي، كما أن ليس كل علاج نفسي يستمد أصوله من مدرسة معينة واحدة ، .... أو لا يستند إلى أية نظرية سابقة عدا نظريته في العلاج ذاته . إلا أن ما يجمع العلاجات النفسية أنها تبحث عن مسببات المرض النفسي في الفرد أو الجماعة أو المحيط ، وتعالجه باسلوب علمي _ أخلاقي _ إنساني يخلو من الدجل والخرافة ويرفض العنف والقسوة كما كان يجري في أوروبا في العصور المظلمة.

     ومما يساعدنا على تفهم هذه الجوانب أن نذكر نموذجا لنظرية في علم النفس تصلح أن تقاس عليها النظريات الأخرى وكذا العلاجات النفسية المشتقة منها . ومن الأمانة أن يكون المثال جامعا لما اتفقت عليه معظم النظريات النفسية الحديثة ، علما أن معظم ما ظهر بعد نظرية فرويد هو « إما اشتقاق أو تهميش أو تفصيل أو تماس أو تحوير لنظرية فرويد كما يذكر العالم النفسي ( كوفيل ) . هذا النموذج العام هو : 
1 _ أن المرض النفسي « قلق الذات » تجاه صراعات داخلية أو خارجية لم تستطع معه شخصية الإنسان معالجتها موازنتها بالصورة الكفيلة بالسعادة والارتياح . وعند فرويد أن قلق الذات نابع من قلق طفولي أساساً .
2 _ أن الشخصية هي حاصل التفاعل بين التكوين العضوي البيولوجي للإنسان ونفسيته  المتطورة ، وعوامل الثقافة المحلية والبيئية التي ينشأ فيها . أما مدى قوة عامل بالنسبة إلى آخر فيتوقف على مدرسة علم النفس واديولوجيتها .
     3 _  أن الشخصية الإنسانية في تطور حيوي مستمر وهي ليست ثابتة جامدة . 
   4 _ أن تجارب الطفولة في الخمس سنوات الاولى على الخصوص وطبيعة علاقته مع والديه لها الأثر الحاسم في تكوين الشخصية . ويركز فرويد على الغرائز الجنسية والتربية المتعلقة بها كناحية حساسة في حياة الطفل . فالازمات والصراعات التي تنشأ أولا في الطفولة تحدد سلوك الإنسان البالغ بعدئذ فتصبغه بلونها . 

    5 _ إن حيوية وفعالية الشخصية تعمل في شتى المستويات الشعورية واللاشعورية ، ولكن في نظر فرويد ، فإن اللاشعور يلعب دوره الفعال والمستمر في الثاتير على السلوك الواعي (الشعوري) بسبب الكبت . والكبت هو سحب للذكريات والتجارب الأليمة والصعبة إلى مستوى النسيان الوقتي ، لكن الكبت يستمر على نشاطه وتأثيره في السلوك لأنه غير معدوم بل مستمر وفعال.

   6 _ إن الأحداث والتجارب التي يمر بها الإنسان _ وفي أية مرحلة من عمره _ قد تؤدي إلى حدوث المرض النفسي ، ولكن بنظر فرويد ، فإن المكبوت من تجارب الماضي يعمل على تحوير وتغيير نوعية استجابة ذلك الشخص الى الحدث والمشكلة الحاضرة .

  وكل ما ذكرناه ينطبق على مجموعة أمراض العصاب والشدود الجنسي والاضطرابات السلوكية لدى الأحداث والمنحرفين والمدمنين ، وعلى الأسر المفككة والزيجات المزعزعة المريضة . أما مجموعة الأمراض الذهانية التي هي أمراض جنونية كالشيزوفرينيا والهوس الدوري ، فإن الاعتقاد السائد الآن بأنها ليست نفسية المنشأ بصورة نقية بل إن عوامل وراثية وتغيرات كيميائية غامضة داخل الدماغ واستعداد عضوي في الجهاز العصبي تتدخل في ظهورها . 

مواضيع سابقة
علم النفس

شارك مع اصدقائك

تعليقاتكم
اشعارات
اهلا بك اخى الكريم فى مدونة مقالات .
ان كنت من المهتمين بكل جديد حول ما نقدمه من معلومات موثوقة يمكنك الاشترك فى مدونة مقالات حتى تكون اول المستفيدين من مقالاتنا.
=================================
وان كان لديك اى اسئله او اقتراحات يمكنك التواصل معنا عبر مواقع التواصل الاجتماعى اسفل الرساله وسوف نقوم بالرد فى اسرع وقت .
شكرا على المتابعه .

حسنا