حقوق الانسان والمعيقات في العالم العربي - مقالات

حقوق الانسان والمعيقات في العالم العربي


لعل أهم المعيقات دون استيعاب قضية الحقوق وجدانيا إثنان؛ يجيء أولهما من خارج الثقافة العربية ويجيء ثانيهما من داخلها. الأول: هو المثال السيء الذي قدمته الدول الديمقراطية الغربية في موقفها من حقوق الإنسان خارج حدودها ، اي في العالم الثالث ، ولا سيما في الوطن العربي والإسلامي. والثاني هو سطوة الأعراف الموروثة على تصرف الفرد متذرعة بالدين.

الأول: لقد أعطت بعض الدول الغربية المثال الاسوأ لقدرة لا تضاهى على امتهان حقوق الإنسان خارج وطنها ، والإنسان في الوطن العربي بشكل خاص. إن التحيز الرسمي السافر عند بعض الدول الغربية وعلى رأسها امريكا وانجلترا لأبشع أنواع العدوان والفتك المبرمج على أيدي إسرائيل (( الديمقراطية)) لكرامة الإنسان وحقوقه في الحياة والتملك والأمن في فلسطين وسواها من الدول العربية المجاورة لفلسطين، هو نقطة عار سيخجل منها حفدة هذه الدول في المستقبل ، لا وضع يدوم، ولابد أن ينحسر اغراء إسرائيل وسحرها للغرب  المبني من ناحية على علاقات توراتية يعمل باحثون غربيون كثرون على ابراز هشاشتها , ومن ناحية ثانية على اغراء التحالف مع اسرائيل استراتيجيا ضد الوطن العربي , ومن ناحية ثالثة على اضطهاد الغرب لليهود عبر العصور وحاجة هذا الغرب الى التكفير وتطهير الضمير . غير ان هذا التطهير قاد الى دورة جديدة من الظلم والاضطهاد والقتل لشعب اخر . وسوف يقود الى الحاجة  التكفير وتطهير الضمير في المستقبل , تماما كما اندفع بعض الغربيين في العصر الحديث الى الاعتذار لنا عن العدوان الصليبي (.............).
الثاني : ان عددا من الاعراف الموروثة التي لا تبدو ملائمة لهذا العصر تاصلت اليوم متذرعة بالدين . ولكن اية دراسة لتاريخ الاسلام المبكر تظهر ان جل هذه التقاليد لا علاقة لها بالاسلام الصحيح او بروحه . ان التذرع بالدين ذو مناعة كبيرة , وان للتقاليد قدرة هائلة على الهيمنة على العقول . ليس من الحل لهذا الا بدخول الاسلام كدين مرن في مناخ الحداثة  لانه لا يشكو من القصور في مقدرته على استيعاب تطورات الانسان عبر العصور وتوجيهها  لتظل على الطريق الامين. نحن هنا نتحدث عن عصر حديث بعيد كل البعد عن القرن الاول الهجري , عن تلك البهجة المتفتحة على العالم والانسان , الداعية الى خير البشر وصلاحهم. الخطاب الديني الاول في الاسلام تحدث عن دين هو خاتم الاديان , وهذا يضع مسؤولة قصوى على رجال الدين الذين يحبسونه دون التطور ويسدون عليه منافذ الانفتاح .والحق ان الاسلام في نهاية القرن التاسع عشر , ايام الافغاني ومحمد عبده , كان اكثر مرونة وانفتاحا على العصر منه في نهاية القرن العشرين .
ان اكبر نقص في حياتنا المعاصرة هو الافتقار الى قدرة الانسان على المشاركة فكريا في تعبيره عن رغبته في تحديث الحياة العربية من جميع جوانبها . لم نعد نملك الوقت لننتظر دهورا حتى نملك حريتنا على التفكير والتعبير . لم نعد قادرين , في ظل التسارع الذي نشاهده في العالم لتطويرالحياة الانسانية , على ان نصبر دهورا حتى نصل اخيرا الى الوعي الوجداني واليقين المتغلغل في النفس بانا لنا حقوقا مقدسة امتهنها الزمن قرونا طويلة , وتكالب عليها العدو الخارجي والعدو الداخلي بشراصة مطمئنة , ولا بد من ان نستردها . لقد ترسخت في عالمنا مئالب كثيرة وسلبيات نافعة واعراف مزرية في التعامل والتواطؤ والاستسلام , وترسخ الظلم والظلامية والشك والعدوان الفردي والسلطوي , كما ترسخت التفرقة الاقليمية (وفيها الدمار الاكبر) والجهل السياسي المثير للثفقة , الذي قادنا الى عذاب كبير . ان اعظم فاجعة تحيق بنا , على فواجعنا الكثيرة , هي الخنق المستمر للفكر والخرق الفادح لحقوق الانسان في الحياة العربية. فمن لا يملك حريته المشروعة , وقدرته على التعبير , ومن لا يرى حقوقه السياسية مصانة مكرمة , لا يستطيع ان يقاوم العدوان الشرس , الطويل في التاريخ  , المتطاول نحو المستقبل , على كياننا وثقافتنا وهويتنا وانجازاتنا , ولا يدرك اخطاره المرعبة .
 
المصدر : محمد عابد الجابري {واخرون } , حقوق الانسان في الفكر العربي : دراسة في النصوص , تحرير سلمى خضراء الجيوسي (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية  , 2002), ص 17_20 . 


مواضيع سابقة
مقالات اجتماعية

شارك مع اصدقائك

تعليقاتكم
اشعارات
اهلا بك اخى الكريم فى مدونة مقالات .
ان كنت من المهتمين بكل جديد حول ما نقدمه من معلومات موثوقة يمكنك الاشترك فى مدونة مقالات حتى تكون اول المستفيدين من مقالاتنا.
=================================
وان كان لديك اى اسئله او اقتراحات يمكنك التواصل معنا عبر مواقع التواصل الاجتماعى اسفل الرساله وسوف نقوم بالرد فى اسرع وقت .
شكرا على المتابعه .

حسنا